ترجمة من عدة مصادر
نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولٍ في البيت الأبيض قوله إن “الحرب في السودان كانت ستنتهي لولا الإمارات". قد أظهرت وثائق استخباراتية وتقارير استقصائية صادرة عن مؤسسات إعلامية غربية كبرى أن دولة الإمارات العربية المتحدة ما زالت تضطلع بدورٍ محوري في دعم وتسليح مليشيا الدعم السريع في السودان، عبر منظومة معقّدة من الإمدادات تشمل الأسلحة الصينية والمعدات البريطانية والكندية المعاد تصديرها، إضافةً إلى شبكةٍ فائقة الكفاءة من المسارات البرية والجوية الممتدة عبر إفريقيا.
ويتزامن هذا الدعم العسكري مع محاولات أبوظبي تقديم نفسها كوسيطٍ للسلام في المفاوضات التي ترعاها واشنطن، في ما يمنح دورها بُعدين متناقضين، قوةٌ خفية تغذّي الحرب، ودبلوماسيةٌ وقائية تقيها المساءلة. لقد أعاد هذا السلوك تسليط الضوء على الثغرات البنيوية في نظام تصدير السلاح الغربي، الذي تحوّل إلى أداةٍ غير مباشرة لإطالة أمد الحروب بالوكالة في المنطقة — ولا سيما في السودان، حيث يتهدد هذا النمط وحدة الدولة، ويقوّض سيادة مؤسساتها، ويعبث بمستقبل شعبها وأجيالها، في تكرارٍ لما شهدته دولٌ أخرى قبلها.
الجزء الأول: التسليح الإماراتي المباشر للمليشيا – وول ستريت جورنال (28 أكتوبر 2025)
كشفت صحيفة وول ستريت جورنال في تقريرها الصادر في 28 أكتوبر 2025 أن الإمارات زوّدت مليشيا الدعم السريع، المتهمة بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب، بكميات متزايدة من الأسلحة شملت طائرات مسيّرة صينية الصنع من طراز "CH-95"، وأسلحة خفيفة وثقيلة وعربات ومدفعية وذخائر، في واحدة من أكبر عمليات الإمداد العسكري غير المعلنة في إفريقيا الحديثة.
وأوضحت التقارير الاستخباراتية التي استندت إليها الصحيفة – وتشمل تقارير من وكالة استخبارات الدفاع الأميركية ومكتب الاستخبارات التابع لوزارة الخارجية – أن الإمارات كانت قد بدأت دعم المليشيا قبل عامين عبر شحنات أُرسلت إلى تشاد تحت غطاء "مساعدات إنسانية"، وهو ما اعتُبر في حينه خطوة رمزية. لكن التحول النوعي حدث هذا العام عندما تضاعفت الإمدادات بصورة كبيرة بعد أن فقدت مليشيا الدعم السريع السيطرة على العاصمة الخرطوم في مارس 2025. فقد تدخلت أبوظبي حينها لتسليح المليشيا مجددًا وإنقاذها من الانهيار، ما مكّنها من إعادة تنظيم صفوفها وشنّ هجومٍ واسع جديد في دارفور.
وأكد مسؤولون أميركيون أن هذه الشحنات كانت حاسمة في إطالة أمد الحرب. ونُقل عن مسؤول سابق في البيت الأبيض قوله إن “الحرب كانت ستنتهي لولا الإمارات”. كما أكدت مصادر في ليبيا ومصر وأوروبا صحة هذه المعلومات.
وأشارت الصحيفة إلى أن طائرات "CH-95" التي أمدّت بها الإمارات المليشيا صُنعت من قبل شركة الصين الحكومية لصناعات الفضاء (CASC)، وهي قادرة على حمل صواريخ دقيقة والتحليق لأكثر من 24 ساعة متواصلة، ما منح المليشيا قدرة استطلاعية وهجومية غير مسبوقة. وقد رُصدت هذه الطائرات في سماء شمال دارفور أثناء هجمات الدعم السريع، وفقًا لبيانات معهد جامعة ييل للبحوث الإنسانية.
وبيّنت الصحيفة أن هذه الأسلحة كانت تُنقل جوًا عبر الصومال وليبيا قبل أن تُسلَّم برًا إلى السودان، وأن الاستخبارات الأميركية حدّدت أنواع المعدات من خلال صور أقمار صناعية واعتراض الاتصالات. ورغم نفي وزارة الخارجية الإماراتية "بشكل قاطع" أي دور في تسليح أطراف النزاع، أظهرت الوقائع الميدانية أن المليشيا استعادت قدرتها الهجومية بعد هذه الإمدادات، ووسّعت حصارها على مدينة الفاشر في شمال دارفور، حيث يعيش أكثر من ربع مليون مدني في ظروف المجاعة والحصار.
الجزء الثاني: إعادة تدوير العتاد البريطاني عبر الإمارات – ذا غارديان (28 أكتوبر 2025)
في تحقيقٍ موسّع نشرته صحيفة ذا غارديان البريطانية في 28 أكتوبر 2025، كشف الصحفي مارك تاونسند عن وثائق وصور اطلع عليها مجلس الأمن الدولي تظهر أن معدات عسكرية بريطانية الصنع استُخدمت من قبل مليشيا الدعم السريع في معارك الخرطوم وأم درمان، رغم أن تلك المعدات كانت قد صُنعت لأغراض التدريب والتقنيات الدفاعية وصُدّرت إلى الإمارات بموجب تراخيص رسمية من الحكومة البريطانية.
شملت الأدلة أجهزة تدريب على الأسلحة الخفيفة من إنتاج شركة "ميلتك" ومحرّكات بريطانية من صنع "كمنز"، تُستخدم في ناقلات الجند المدرعة "نِمر" التي تنتجها مجموعة "إيدج" الإماراتية. وأظهرت الوثائق أن هذه الصادرات تمت بموجب تراخيص مفتوحة (Open Individual Export Licences)، تسمح بتصدير كميات غير محدودة من المعدات دون مراقبة الوجهة النهائية أو التحقق من اتفاقيات المستخدم النهائي، وهو ما أوجد ثغرة قانونية استغلتها الإمارات لإعادة تصدير السلاح بحرية دون قيود تعاقدية أو رقابية.
الملفات المقدّمة لمجلس الأمن في يونيو 2024 ومارس 2025، والتي أعدّتها الحكومة السودانية، تضمنت أدلة ميدانية على دعم الإمارات للمليشيا، من بينها لوحات تعريف لمحركات “كمنز” بريطانية الصنع على عربات "نِمر"، وصور لأجهزة تدريب وُجدت في مواقع الدعم السريع داخل العاصمة.
وأكد التقرير أن الحكومة البريطانية واصلت إصدار تراخيص مماثلة حتى بعد ظهور هذه الأدلة، بل منحت في سبتمبر 2024 ترخيصًا جديدًا مفتوحًا من الفئة نفسها "ML14" بعد ثلاثة أشهر من تسلّم مجلس الأمن الصور التي تربط المعدات البريطانية بالحرب في السودان.
وأشار الباحث مايك لويس، عضو لجنة خبراء الأمم المتحدة السابقة بشأن السودان، إلى أن القانونين البريطاني والدولي يمنعان تصدير السلاح عند وجود "خطر واضح من تحويل وجهته". وأضاف أن "الإمارات تملك سجلًا موثقًا في تحويل الأسلحة إلى دول خاضعة لحظر السلاح وجماعات تنتهك القانون الإنساني الدولي".
وفي دعمٍ لهذا النمط التاريخي، استشهد التحقيق بما وثقته الأمم المتحدة عام 2013 حين زوّدت الإمارات ميليشيات الزنتان في ليبيا بعربات نِمر مدرعة في انتهاكٍ لحظر السلاح الأممي، كما أمدّت جماعات مسلحة في الصومال بالمعدات نفسها. هذا النمط المتكرر، بحسب التقرير، يعكس أثرًا إقليميًا طويل المدى لتساهل الرقابة البريطانية، حيث يتحول العتاد الغربي المرخّص إلى أداة لتغذية النزاعات في إفريقيا والعالم العربي.
أما الشركات المعنية، مثل "ميلتك" و"كمنز"، فقد أكدت امتثالها لأنظمة الرقابة البريطانية ونفت أي تورط، لكن التحقيق شدّد على أن جوهر المشكلة يكمن في النظام نفسه الذي يتيح تصدير المعدات الدفاعية دون إلزامٍ قانوني بمراقبة استخدامها النهائي.
الجزء الثالث: المدرعات الكندية وثغرة تتكرر – ذا غلوب آند ميل (7 سبتمبر 2025)
نشرت صحيفة ذا غلوب آند ميل الكندية في أكتوبر 2025 تقريرًا كشف عن ظهور عربات مدرعة من طراز "غورخا" تصنعها شركة Terradyne Armored Vehicles في ساحات القتال بالسودان، مستخدمةً من قبل مليشيا الدعم السريع.
التقرير أشار إلى أن هذه العربات، التي صُنعت في أونتاريو وبيعت لدولٍ وسيطة أبرزها الإمارات، شوهدت في مقاطع مصوّرة من دارفور أثناء المواجهات بين الجيش السوداني والمليشيا. وأكدت الأمم المتحدة أن بعض هذه المركبات كان قد جرى تحويله سابقًا إلى مناطق نزاع أخرى في القرن الإفريقي وشمال إفريقيا.
وبيّن التحقيق أن النظام الكندي لتصدير الأسلحة يعاني من ثغرة مشابهة لنظيره البريطاني، إذ لا يفرض تتبعًا إلزاميًا للاستخدام النهائي بعد التصدير، ولا يقيّد الدول المستوردة باتفاقيات المستخدم النهائي الملزمة. ونتيجة لذلك، يمكن إعادة تصدير العتاد الكندي من دون إشراف حكومي فعّال، وهو ما يتيح استخدامه في نزاعات محظورة.
كما نقل التقرير عن خبراء في مراقبة تجارة السلاح أن وزارة التجارة الكندية أصدرت تراخيص تصدير للعربات المدرعة خلال السنوات الماضية "دون تدقيق كافٍ في الوجهة النهائية"، وأن الحكومة الاتحادية "لا تمتلك آلية فعالة لتتبع مصير المركبات بعد مغادرتها الأراضي الكندية". وأوضحت الشركة المنتجة أنها التزمت بالقانون لكنها "ليست مسؤولة بعد البيع"، وهو التصريح الذي علّقت عليه الصحيفة بوصفه "ثغرة قانونية تكاد تطابق النمط البريطاني".
الجزء الرابع: الغطاء الدبلوماسي ومحاولة تقديم أبوظبي لنفسها كوسيط – ميدل إيست آي (27 أكتوبر 2025)
في 27 أكتوبر 2025، نشرت ميدل إيست آي تقريرًا بعنوان "مليشيا الدعم السريع تقتحم الفاشر بعد أن أوقفت الإمارات المحادثات حول المدينة"، أوضحت فيه أن الهجوم على الفاشر بدأ بعد ساعات فقط من انهيار مفاوضات وقف إطلاق النار في واشنطن، التي كانت الإمارات طرفًا رئيسيًا فيها.
ونقل التقرير عن مصادر شاركت في المحادثات أن الوفد الإماراتي رفض صراحةً إدراج موضوع حصار الفاشر ضمن جدول النقاش، رغم الحصار المستمر منذ أكثر من 500 يوم. وقد أدى هذا الرفض إلى فشل المفاوضات فورًا، ما أتاح لقوات الدعم السريع تنفيذ هجومها على المدينة بعد وقتٍ قصير من مغادرة الوفود العاصمة الأميركية.
وأشار التقرير إلى أن الهجوم أدى إلى سيطرة المليشيا على قاعدةٍ عسكرية رئيسية في المدينة، وأن نحو 260 ألف مدني ما زالوا محاصرين داخلها تحت خطر المجاعة.
وبحسب وول ستريت جورنال (28 أكتوبر 2025)، لم تشر الولايات المتحدة علنًا إلى دور الإمارات في تسليح المليشيا، رغم امتلاكها معلومات استخباراتية تفصيلية عن الإمدادات، وهو ما فسّره مسؤولون غربيون بأنه "تجنّب متعمد لمواجهة شريكٍ استراتيجي في الخليج".
وتؤكد الوثائق أن الإمارات، التي استثمرت مليارات الدولارات في السودان وتسعى لتوسيع نفوذها على البحر الأحمر بعد إلغاء صفقة الميناء السوداني، تراهن على بقاء الدعم السريع كقوةٍ ميدانية ضامنة لمصالحها الاقتصادية والأمنية. وفي المقابل، تُقدّم نفسها دوليًا بصفة "وسيط للسلام".
غير أن الحكومة السودانية رفضت رسميًا التعامل مع الإمارات بوصفها وسيطًا في محادثات واشنطن، واعتبرتها طرفًا معاديًا ومنخرطًا بشكل مباشر في الحرب. وقال وزير الخارجية السوداني عقب فشل المحادثات بحسب ميدل إيست آي إن "الحكومة لا تعتبر الإمارات وسيطًا بل دولة معتدية تشارك بنشاط في دعم الهجوم على وحدة السودان وسيادته".
وقد كان السودان قد صنّف الإمارات دولة عدوان في مايو الماضي عبر مجلس الأمن والدفاع، مؤكدًا أن ما تقوم به أبوظبي يمثل اعتداءً على سيادة البلاد ووحدتها الوطنية. ويأتي عدم قبول الخرطوم بأي دور وساطة إماراتي متسقًا مع الموقف الذي أعلنه الوفد السوداني إبّان المباحثات التي حاولت التمهيد لمنبر جنيف العام الماضي، حين رفض إدراج الإمارات ضمن أي إطارٍ تفاوضي يتعلق بالنزاع، باعتبارها طرفًا مشاركًا في الحرب لا جهة محايدة، وكذلك انهارت مباحثات جنيف.
خاتمة
يُظهر تتبّع مسار الأسلحة والمعدات العسكرية في السودان أن الحرب أصبحت مرآةً لشبكةٍ عالمية من الموردين والوسطاء والثغرات القانونية. فالمسيّرات الصينية حملتها طائرات إماراتية عبر الصومال وليبيا، والمعدات البريطانية أُعيد تصديرها من دون رقابة قانونية، والعربات الكندية عبرت الحدود بغياب اتفاقيات المستخدم النهائي الملزمة، بينما ظلّ الخطاب الدبلوماسي الدولي يحاول بإصرار غير برئ أن يقدّم الإمارات كوسيطٍ في النزاع ذاته الذي تغذّيه عمليًا، بدون أي اعتبار للمصالح والهواجس السيادية والأمنية السودانية تجاه وحدة السودان واستقرار الإقليم.
التقارير الأربعة — وول ستريت جورنال (28 أكتوبر 2025)، ذا غارديان (28 أكتوبر 2025)، ذا غلوب آند ميل (7 سبتمبر 2025)، وميدل إيست آي (28 أكتوبر 2025) — تقدم معًا صورة متكاملة لنمطٍ واحد حول تدوير السلاح الغربي عبر بوابة الإمارات إلى حروبها في دولٍ إفريقية وعربية، مستفيدةً من ثغرات قانونية ونظام تصديرٍ فضفاض يمنح الشركات والدول مساحةً واسعة من الإنكار، ويحوّل التراخيص الرسمية إلى أدواتٍ لإدامة النزاعات. ويكتمل هذا النمط بدور النفوذ الكبير واللوبيات المنتشرة على ضفتي الأطلسي، التي تعمل على حماية أبوظبي من أي إدانة، فضلًا عن المحاسبة أو ممارسة الضغط لوقف الفظائع المستمرة.
اصدارات دورية
الإمارات وإعادة تدوير السلاح الغربي في حربها ضد السودان
01/11/2025

أخبار حديثة
- 13/11/2025صندوق النقد الدولي: السنغال تملك الحق السيادي في تقرير كيفية التعامل مع ديونها
- 13/11/2025تهريب الوقود المعتمد من الدولة كلّف ليبيا 20 مليار دولار خلال ثلاث سنوات
- 13/11/2025تدريبات بحرية مشتركة بين بنين وفرنسا لتعزيز أمن خليج غينيا
- 13/11/2025غانا تستعيد أكثر من 130 قطعة أثرية منهوبة من حقبة الاستعمار
- 13/11/2025سلفاكير يُقيل نائبه في خضم أزمة سياسية متصاعدة
- 13/11/2025الحكم بالسجن 20 عاما على زوجة رئيس الغابون السابق وابنه بتهم فساد
