عبد القادر محمد علي – باحث ومحلل سياسي مختص بالشؤون الأفريقية
مرت العلاقات الإثيوبية-الإريترية منذ نيل إريتريا استقلالها عن الاستعمار الإثيوبي عام 1993 بدوراتٍ من الصعود والهبوط، امتازت دوماً بتسارعٍ لافتٍ في الانتقال بين حدّي هذه العلاقة. بلغت بين عامي 1991–1998 مرحلة غير مسبوقة من التعاون والتكامل، لتندلع فجأة الحرب الحدودية ذات الجولات الثلاث بين عامي 1998–2000.
وأعقب ذلك حالة من اللاسلام واللاحرب انتهت بوصول الدكتور آبي أحمد إلى سدّة السلطة في بلاده عام 2018، حيث تم توقيع اتفاق سلام بين البلدين مهّد الطريق لتعاونٍ استراتيجيٍّ بلغ ذروته في حرب تيغراي (2020–2022)، وسرعان ما تلا ذلك تدهورٌ حادٌّ استمر حتى الآن، حيث تلوح نُذرُ حربٍ جديدة بين الجارين اللدودين.
ولفهم الذروة التي بلغها التوتر الإثيوبي-الإريتري في الأشهر الأخيرة، تبرز أمام الباحث خريطةٌ من الدوافع المتشابكة يبدو من الصعب فصل بعضها عن بعض، لكنها تتمحور في تقديرنا حول ملفَّين تتناسل الخلافات الأخرى منهما، وهما اتفاقية بريتوريا والمطالبة الإثيوبية بمنفذٍ سياديٍّ على البحر الأحمر، وهو ما تدرّج إلى إعلان الأحقية في ميناء عصب الإريتري والتهديد باحتلاله. وسنعمل في هذه الورقة على توضيح أبرز محركات الخلاف بين الطرفين بدءاً من اتفاق بريتوريا، وهو الأقدم.
أولاً – الخلاف حول اتفاق بريتوريا
مثّل اتفاق بريتوريا بين كلٍّ من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والحكومة الفيدرالية الإثيوبية خطوةً واعدةً لإقرار السلام والاستقرار في إثيوبيا، تم التوصل إليها بشقّ الأنفس بعد عامين من المعارك الدامية التي وُصفت بأنها واحدة من أعنف صراعات القرن الحادي والعشرين.
لكن هذا الاتفاق، الذي ضمن تهدئةً ميدانيةً وعلى الجبهة السياسية بين الطرفين الموقّعين، أدّى إلى اندلاع توتّرٍ من نوعٍ آخر بين حكومة الدكتور آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، لاحتوائه على عددٍ من البنود الإشكالية التي لم تنل رضا أسمرة.
ورغم نفي أسمرة سعيها لتقويض اتفاقية بريتوريا، فقد وصف بعض المراقبين شعور القيادة الإريترية حيالها بأنها "طعنة في الظهر"، إذ تم استبعادها من المشاركة في المحادثات المفضية إلى هذه الاتفاقية رغم انخراط جيشها بشكل فاعل في العمليات إلى جانب القوات الفيدرالية الإثيوبية وحلفائها، وتعرّضه لخسائر جسيمة، ووقوع البلاد تحت عقوبات مختلفة نتيجة هذا الاشتراك.
أبرز البنود الإشكالية متعلّقة بالتعاطي مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي اعتبرها النظام الإريتري تهديداً وجودياً له لسنوات، حيث منحت الاتفاقية قبلة الحياة للجبهة التي تعرّضت لهزيمة عسكرية قاسية. إذ أفضت المحادثات إلى الاتفاق على إلغاء صفة الإرهاب عن الجبهة، ما يعني حفاظها على كيانها السياسي كحزبٍ شرعيٍّ إثيوبي، إلى جانب الاتفاق على تشكيل إدارةٍ إقليميةٍ مؤقتةٍ في تيغراي للجبهة دورٌ محوريٌّ فيها.
وإن وسّعنا زاوية النظر، فيمكن القول إن الموقف الإريتري السلبي من بريتوريا لم يكن مرتبطاً بمستقبل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وحده، بل إن القيادة الإريترية رأت في الطريقة التي تمّت بها المفاوضات – برعايةٍ أمريكيةٍ مباشرةٍ – مدخلاً لتمتين علاقات واشنطن وأديس أبابا وربما لاستهداف إريتريا لاحقاً، حيث عانت العلاقات الأمريكية-الإريترية حالةً من التوتّر شبه المستمر طوال أكثر من عقدين، ويُعدّ أفورقي أبرز ناقدٍ أفريقيٍّ لسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة في القارة والعالم.
ولم يكن الرفض الإريتري لأيّ اتفاقٍ مع التيغراي وحده وراء سير القيادة الإثيوبية في المفاوضات منفردةً، بل رافق ذلك ضغوطٌ اقتصاديةٌ وسياسيةٌ مختلفةٌ من واشنطن والاتحاد الأفريقي – الراعيين الرئيسيين لاتفاق بريتوريا – حيث تمّ تهديد أديس أبابا بأوراقٍ مختلفةٍ منها احتمالية سحب مقر الاتحاد الأفريقي منها. وهكذا أفلحت جهود واشنطن في تفكيك التحالف بين البلدين، وهو هدفٌ استراتيجيٌّ سعت إليه طوال شهور الحرب.
ثانياً – طموحات إثيوبيا بالوصول إلى البحر الأحمر
برزت خلال السنتين الأخيرتين مطالبةٌ مستمرةٌ من رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بحصول بلاده على منفذٍ بحريٍّ سياديٍّ، حيث تمثّل هذه المطالبة أحد أهمّ محرّكات الأزمة الحالية بين إريتريا وإثيوبيا. ويمكن تقسيمها إلى مرحلتين رئيسيتين:
المرحلة الأولى: بدأت مع تأكيد أحمد، في خطابٍ ألقاه في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حاجة بلاده إلى منفذٍ بحريٍّ سياديٍّ، وقد أورد العديد من الحجج التي تسند هذه الدعوى، متضمّنةً عوامل تاريخيةً وعمليةً مرتبطةً بنقاط الضعف الاقتصادية والديمغرافية والأمنية الناتجة عن الواقع الجغرافي لإثيوبيا كدولةٍ حبيسةٍ بعدد سكانٍ يقارب المئة والعشرين مليوناً.
ومنذ ذلك الحين، تعالت أصوات تياراتٍ إثيوبيةٍ ترى أن فقدان إثيوبيا للساحل نتيجة استقلال إريتريا كان خطأً تاريخيّاً واجبَ التصحيح؛ وهو ما يتردّد صداه في البيان الصادر عن رئاسة الوزراء الإثيوبية، الذي قال إن أديس أبابا فقدت منفذها إلى البحر نتيجة "خطأٍ تاريخيٍّ وقانونيٍّ" بعد حربٍ أهليةٍ ومؤامراتٍ خارجية، وإن الحكومة الإثيوبية تعمل منذ سنواتٍ "لتصحيح" هذا الخطأ.
دقَّ هذا الخطاب أجراس الخطر في أسمرة بالنظر إلى مجموعة عوامل، منها ما هو مرتبطٌ بتاريخ العلاقة بين البلدين؛ فقد ضمَّت إثيوبيا إريتريا بالكامل عام 1952، إذ كان الوصول إلى البحر أهمّ أهدافها من السيطرة على إريتريا، وهو ما أدّى في النهاية إلى اندلاع الثورة الإريترية التي استطاعت عبر نضالٍ دامٍ استمر ثلاثين عاماً انتزاع حرية البلاد.
العامل الثاني المقلق لأسمرة أنّه رغم أن أحمد قلّل من أهمية استخدام القوة للحصول على الميناء في خطابه الشهير أمام البرلمان في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فقد حذّر من أن هذه القضية قد تؤدّي إلى الصراع في حال إخفاق الطرق السلمية، وهي أجندةٌ كرّرتها وسائل الإعلام الموالية للحكومة منذ ذلك الحين.
العامل الثالث اللافت هو أن جميع التصريحات الإثيوبية كانت تشير إلى الرغبة في الحصول على منفذٍ على البحر الأحمر، حتى بعد توقيع مذكرة التفاهم مع إقليم صومالي لاند الانفصالي ظلّ الخطاب الإثيوبي مركّزاً على البحر الأحمر، وهو مؤشرٌ مثيرٌ للقلق في أسمرة التي تشعر أن ميناء عصب هو المستهدف بهذا الخطاب.
المرحلة الثانية: تحوّل فيها ميناء عصب جنوب إريتريا إلى محور التوتّر بين البلدين، مع تصاعد التهديدات الإثيوبية الصادرة عن مسؤولين عسكريين ومدنيين بأحقّية بلادهم في امتلاك الميناء، ودعم ذلك بمجموعةٍ من الحجج المثيرة للجدل والمتهافتة قانونياً، بحجّة أنّ الحكومة الإثيوبية التي تنازلت عنه لم تكن مخوّلةً بذلك لأنها لم تكن تملك التفويض الشعبي اللازم لاتخاذ مثل هذه الخطوة.
ترافق ذلك مع تهديداتٍ إثيوبيةٍ بإعادة النظر في سحب اعترافها بانفصال إريتريا تحت المبرّر القانوني نفسه، إذ أعلنت حكومة آبي أحمد تحت قبة البرلمان إمكانية سحب الاعتراف إن لم تحاورها إريتريا حول موضوع المنفذ البحري.
وقد برزت في هذه المرحلة حربُ بياناتٍ متواصلةٍ بين إثيوبيا وإريتريا، خرجت فيها الأخيرة عن سياستها المعتادة في إيثار الصمت والغموض، وهو ما يشير إلى مدى الحساسية والخطورة اللتين تشعر بهما أسمرة تجاه هذه التصريحات الإثيوبية.
ثالثاً – حرب الوكالة بين الطرفين
أدّى تدهور علاقات البلدين إلى انتهاج كلٍّ من إريتريا وإثيوبيا سياسةَ حربِ الوكالات المعهودة في القرن الأفريقي، ودعمِ كلّ طرفٍ للقوى المعارضة للآخر، ويمكن رسم خريطة التحالفات كما يلي:
1- إريتريا تدعم قوى إثيوبية:
لم يؤدِّ توقيع اتفاقية بريتوريا إلى تفكيك التحالف الإريتري-الإثيوبي فحسب، بل وجّه ضربةً قاضيةً إلى التحالف بين آبي أحمد والميليشيات القومية الأمهرية التي كانت أحد الشركاء الرئيسيين في الحرب على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. إذ تعتبر هذه الميليشيات أنها استُبعدت من المشاركة في المفاوضات ولم تُستشر في بنود اتفاقية وقف العدائيات قبل إقرارها.
بدأت علاقة إريتريا مع هذه الميليشيات مبكراً، حيث تلقّت التدريب من قبل الجيش الإريتري إبّان حرب تيغراي في إطار مواجهة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، لكن مع تفكك تحالفها مع آبي أحمد برز الأخير في المقابل كخصمٍ جديدٍ لكلٍّ من هذه الميليشيات ولأسمرة، حيث وجّهت أصابع الاتهام الإثيوبية إلى إريتريا بدعم الميليشيات الأمهرية المسلحة، التي تخوض حرباً ضاريةً في إقليم أمهرا مع القوات الفيدرالية بعد قرار الحكومة حلّها في أبريل/نيسان 2023، وهو ما زاد العلاقات بين البلدين تأزّماً رغم نفي إريتريا هذا الاتهام.
من جهةٍ أخرى، أدّت الخلافات داخل قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إلى انقلابٍ على الإدارة المؤقتة للإقليم واستيلاء الجناح الذي يقوده ديبرتسيون غبري ميكائيل على مقاليد السلطة، وتشير العديد من المصادر إلى تقاربٍ بينه وبين أسمرة على خلفية الموقف من آبي أحمد الذي تتّهمه الجبهة بعدم الوفاء بتنفيذ اتفاق بريتوريا.
وفي هذا السياق، برز مؤخراً تحالفٌ يُسمّى "تصمدو" أو "تآزر" بالتغرينية كمبادرةٍ شعبيةٍ بين طرفي الحدود في إقليم تيغراي الإثيوبي والأراضي الإريترية. ورغم السمة الشعبية له، فقد اعتبره كثيرٌ من المراقبين غطاءً لتحالفٍ بين جناح ديبرتسيون وأسمرة، وهو ما أكّدته إثيوبيا في رسالةٍ وجّهتها وزارة خارجيتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2025، اتهمت فيها هذا التحالف بأنه يعمل على إشعال الحرب داخل إثيوبيا وتقويض اتفاق بريتوريا ودعم المتمردين الأمهرة.
وقد نفت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي هذه الاتهامات، مؤكّدةً أن الحكومة الإثيوبية لم تنفّذ بنود اتفاق بريتوريا، وأن مبادرة "تصمدو" ليست إلا "خطوةً إيجابيةً وبنّاءةً نحو بناء السلام والمصالحة الإقليمية".
إلى جانب هذين الطرفين، لإريتريا علاقاتٌ مع قوى إثيوبيةٍ مسلّحةٍ أخرى منها جيش تحرير أورومو، وفصيلٌ عفريٌّ يقوده إبراهيم عثمان.
2- إثيوبيا تدعم قوى معارضة إريترية:
من جانبها، تدعم أديس أبابا عدداً من المجموعات الإريترية المعارضة. ففي 27 يناير/كانون الثاني 2025 استضافت العاصمة الإثيوبية مؤتمراً لجماعة "برقيد ني حمدو – لواء الأرض" المثيرة للجدل، والتي بدأت نشاطاتها باستهداف الاحتفالات التي تقيمها الحكومة الإريترية في مناطق الشتات الإريتري بالدول الغربية.
مثّل هذا المؤتمر خطوةً مهمةً في عمل هذه المجموعة، إذ شارك فيه عددٌ كبيرٌ من الأعضاء والمناصرين، وبمشاركةٍ من المؤتمر الوطني العفري الإريتري. خلص المؤتمر إلى تبنّي الخيار العسكري لإسقاط النظام الإريتري، وهو ما تتضح أهميته بالنظر إلى أن الدافع وراء هذا المؤتمر، بالنسبة لمنظميه، هو ضرورة تقريب النضال ضد النظام الإريتري من حدود البلاد.
كما توجّهت الحكومة الإثيوبية إلى دعم منظماتٍ عفريةٍ معارضة، أبرزها "منظمة عفر البحر الأحمر الديمقراطية (RDADO)"، حيث سمحت لها باتخاذ إقليم عفر الإثيوبي مقراً لأنشطتها السياسية والاجتماعية. وقد عقدت المنظمة مؤتمراتٍ ولقاءاتٍ جماهيريةً كبرى في سمرا، عاصمة الإقليم، كما افتتحت مكاتب لها في إثيوبيا. وتشير التقارير إلى تلقيها دعماً لوجستياً من حكومة آبي أحمد، التي وفّرت لمقاتليها الملاذ الآمن لتنفيذ عملياتهم في الداخل الإريتري.
رابعاً – التحالف الثلاثي
أفرز التوتر الصومالي-الإثيوبي على خلفية توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم صومالي لاند الانفصالي خريطةً جديدةً للتحالفات في المنطقة، إذ شكّل الموقف من إثيوبيا أرضيةً لتشكيل تحالفٍ ثلاثيٍّ ضمّ كلاً من مصر وإريتريا والصومال في أكتوبر/تشرين الأول 2024، تعهّد قادة الدول الثلاث من خلاله بتعزيز التعاون الأمني وتحسين الاستقرار الإقليمي.
أُشير إلى هذا التحالف باعتباره "جزءاً من إطار عملٍ تُطوِّره مصر وإريتريا والصومال لمواجهة إثيوبيا إذا ما مضت قدماً في اتفاقية الموانئ مع أرض الصومال". وكان ذلك كافياً لإثارة مخاوف أديس أبابا التي شعرت أنه يستهدف الحد من نفوذها كلاعبٍ رئيسيٍّ في القرن الأفريقي، ولا سيّما أنه تزامن مع توقيع مصر والصومال اتفاقيةً عسكريةً ووصول قواتٍ ومعداتٍ مصريةٍ إلى الصومال. وبالتالي، فقد كان انخراط إريتريا في هذا التحالف عاملاً إضافياً زاد من التوتر بين أديس أبابا وأسمرة.
خامساً – استراتيجية تصدير الأزمات
يبدو العاملُ الداخليّ حاضراً في هذه الأزمة على جانبي الحدود، حيث يمثّل التصعيد مع إريتريا أداةً لرئيس الوزراء الإثيوبي لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية التي تمرّ بها البلاد على الصعد الاقتصادية والأمنية والمجتمعية.
تقع إثيوبيا تحت وطأة التبعات الاقتصادية للحرب على تيغراي، في حين تستمر الاضطرابات في العديد من ولايات البلاد الكبرى، وعلى رأسها أمهرا وأوروميا، ما ينعكس سلباً على الاقتصاد. يرافق ذلك استمرار الخطاب الإثني المتصاعد الذي شهد انفجاراً حادّاً منذ عام 2018، كما يتأرجح اتفاق بريتوريا على هاوية الإخفاق الذي قد يقود إلى انفجار الأوضاع في تيغراي مرة أخرى.
في المقابل، يشكّل التوتر المستمر مع إثيوبيا واحتمالات الصراع معها مخرجاً للنظام الإريتري لتأجيل التعاطي مع الاستحقاقات الوطنية المنتظَرة. فـتحت الحجة المذكورة أُدخلت البلاد في حالة طوارئ ممتدة منذ ما يزيد على عقدين، بما في ذلك عدم عقد انتخاباتٍ رئاسيةٍ وتشريعيةٍ أو تفعيل مسودة الدستور التي أُقرّت عام 1997.
وبعد انتهاء حرب تيغراي وتحجيم دور الجبهة الشعبية لتحريرها بشكلٍ كبير، تزايدت الآمال بإنجاز إصلاحاتٍ داخليةٍ تشمل فتح المجال العام، ووقف برنامج التجنيد الإجباري الممتد، وإرخاء قبضة النظام على القطاع الاقتصادي، وهي مطالب تراجعت جميعها تحت ضغط التوترات الأخيرة مع أديس أبابا.
خلاصة
بعد هذا الاستعراض، يمكن القول إنّ الأزمة الإثيوبية-الإريترية عميقةٌ ومتعدّدةُ الأبعاد، وهو ما يزيد من خطورتها ومن خطورة المسار التصعيدي الذي تسلكه. كما يضيف مزيداً من العوائق أمام أيّ محاولةٍ لاجتراح حلٍّ ينزع فتيلها ويحول دون وقوع اشتباكٍ عسكريٍّ واسع النطاق ستنتج عنه تداعياتٌ كارثيةٌ، لا على البلدين وحدهما فحسب، بل على منطقة القرن الأفريقي بأكملها.
وللخروج من هذه الدائرة المفرغة من التوتر، ثمّة حاجةٌ إلى أن يرسم قادة البلدين، ومعهم الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بإرساء الاستقرار جنوب البحر الأحمر، ملامحَ استراتيجيةٍ جديدةٍ قادرةٍ على طمأنة مخاوف إريتريا على سيادتها، وتلبية طموحات إثيوبيا بالوصول إلى البحر، وتخفيف أعبائها الاقتصادية وفق نماذج شراكاتٍ مختلفةٍ موجودةٍ في عالم اليوم.

