ركزت موضوعات هذا العدد "الحادي عشر" من أفريكا فوكس على مسارين رئيسيين:
الأول، القضايا الإفريقية العامة في ظل التحولات الدولية والداخلية التي تعيد رسم موقع القارة في العالم، بدءاً من أشكال الإمبريالية الجديدة وصولاً إلى التفاعلات السياسية والاقتصادية والأمنية.
والثاني، ملف السودان وما حملته الحرب الممتدة من انعكاسات اجتماعية واقتصادية وإنسانية، فضلاً عن أسئلة المصالحة وإدارة الموارد ومواقف الفاعلين الإقليميين.
في المحور الإفريقي العام، قدّم د. التيجاني عبد القادر حامد دراسته بعنوان «الإمبريالية الجديدة و"تسليح" الاستثمار في إفريقيا»، حيث يبين كيف تغيرت أدوات النفوذ في القارة من السيطرة العسكرية المباشرة إلى استخدام رأس المال والاستثمار كوسائل ضغط وتأثير سياسي، الأمر الذي يجعل مستقبل التنمية في إفريقيا مرهوناً بقدرة المجتمعات والدول على بناء استراتيجيات ذاتية تحمي مصالحها.
كما يستهل المركز الإفريقي للاستشارات هذا العدد بتقرير تحليلي بعنوان «التوسّع الإماراتي في إفريقيا.. بين الطموح والسيطرة»، يتناول فيه طبيعة الحضور الإماراتي المتصاعد في القارة، وكيف يجمع بين الأدوات الاقتصادية واللوجستية والعسكرية، ليمثل نموذجاً جديداً لتنافس القوى الإقليمية على إفريقيا.
وفي السياق نفسه، عرض المركز الإفريقي للاستشارات تقريرا ً حول الاجتماع المثير للجدل الذي تم بين ترامب وبعض القادة الافارقة بعنوان «ترامب يلتقي قادة أفارقة في واشنطن: رسائل سياسية وصفقات أمنية وتجارية»، حلّل فيه توجهات السياسة الأمريكية تجاه القارة والتي تقوم على مقايضات أمنية وتجارية مباشرة.
وفي هذا العدد أيضاً، قدّم الباحث اتيم سايمون دراسة عن «جنوب السودان بعد عقد من الانفصال.. أين الوطن وأين المواطن؟» متوقفاً عند تحديات الدولة الوليدة التي لم تستطع بعد عقد كامل أن تبني مؤسسات راسخة أو تحقق وعود الاستقلال، kتساءل: أين الوطن وإلى أين ذهبت تلك الوعود الكبيرة؟ .
أما د. أمجد فريد الطيب فقد تناول في مقاله «صفقة المعادن مقابل الأمن في الكونغو.. تفاعل إرث الاستغلال ودوامات التبعية» الاتفاقية الاستراتيجية الجديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الكونغو الديمقراطة مسألة العلاقة بين الموارد الطبيعية والأمن، مبيناً كيف أن تكرار أنماط التبعية القديمة يعيد إنتاج الأزمات الاقتصادية والسياسية، حيث تتحول الثروات إلى عامل نزاع بدلاً من أن تكون مدخلاً للاستقرار والتنمية.
وفي السياق ذاته، يكتب الأستاذ عبد المنعم أبوادريس مقالاً بعنوان «واشنطن تعود إلى إفريقيا ببوابة الاقتصاد تحت راية السلام »، يوضح فيه كيف تحاول الولايات المتحدة أن تعيد تموضعها في القارة الإفريقية عبر أدوات اقتصادية وتنموية تحمل شعار "السلام"، لكنها في الجوهر تسعى لتأمين نفوذها الاستراتيجي ومصالحها التجارية. وبذلك، يبدو أن مقاربة "الموارد مقابل الأمن" التي حلّلها د. أمجد فريد تتكامل مع "الاقتصاد تحت راية السلام" التي يعرضها أبوادريس، لتكشف مجتمعةً أن واشنطن تسعى لتثبيت حضورها في إفريقيا عبر معادلة معقدة تمزج بين الاقتصاد والسياسة والأمن.
كما كتب الباحث عباس محمد صالح عباس مقالاً بعنوان «كيف رأت إفريقيا أزمة السودان؟ قراءة في مواقف دول الجوار والمنظمات الإقليمية»، عرض فيه المواقف المختلفة لدول الإقليم والمنظمات القارية، مبيناً كيف انعكست اعتبارات المصالح المباشرة على صياغة تلك المواقف، في وقت يظل فيه السودان بحاجة إلى دعم إقليمي حقيقي للخروج من أزمته.
وفي المحور الخاص بالسودان، جاء مقال د. عبد الناصر سلم حامد بعنوان «القبائل العربية في دارفور بعد هزيمة الدعم السريع.. من لعنة الوصم إلى فرصة المصالحة»، ليطرح رؤية حول التحولات التي طرأت على موقع هذه القبائل بعد الأحداث الأخيرة، مشيراً إلى أن اللحظة الراهنة رغم صعوبتها قد تفتح أفقاً لبناء توافقات اجتماعية جديدة تعيد إلى دارفور استقرارها.
وفي مقالة أخرى للباحث نفسه بعنوان «بين الجسر والسلاح: عندما تتحول القبيلة إلى لعنة في الحرب السودانية»
أما تقرير المركز الإفريقي للاستشارات «المثلث الحدودي: بوابة اللا دولة وصراع الجغرافيا والوكالة»، فقد تناول منطقة الحدود بين السودان ومصر وليبيا، باعتبارها نموذجاً للتداخل بين المحلي والإقليمي والدولي، حيث يتقاطع الجغرافيا بالسياسة وتتشابك المصالح، مما يجعل هذه المنطقة إحدى أهم بؤر التوتر والتأثير في مسار الصراع السوداني.
وفي الجانب الإنساني، نطالع تحقيقاً أعده المركز الإفريقي للاستشارات بعنوان «وعد بلا طعام.. فضائح التمويل الإنساني في قلب الكارثة السودانية»، يتتبع مسار المساعدات التي رُصدت للسودان وكيف تعثرت في الوصول إلى مستحقيها. حيث يتم التوسع في تتبع مسارات الدعم والخلل في آليات توزيعه.
وفي محور التقارير، نشر المركز الإفريقي للاستشارات قراءة مطولة لتقرير بعثة تقييم المحاصيل والإمدادات الغذائية (CFSAM) الصادر في مارس 2025 عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، تحت عنوان «قفزة للأمام – وفرة في المحاصيل خلال الحرب». ويكشف التقرير عن مفارقة مدهشة بين استمرار الحرب وما خلفه من دمار، وبين تسجيل وفرة نسبية في بعض المحاصيل الزراعية، وهو ما يفتح باب النقاش حول صمود السودانين امام ازمة الحرب.
بهذا، يجمع العدد الحادي عشر من أفريكا فوكس بين القضايا الإفريقية الكبرى التي تحدد موقع القارة في عالم مضطرب، وبين التفاصيل الدقيقة للأزمة السودانية التي تعكس بدورها تحديات بناء الدولة والمجتمع في القارة. إن هذا التلاقي بين المحلي والإقليمي يوضح أن قراءة إفريقيا لا تكتمل إلا بفهم تفاعلاتها الداخلية والخارجية معاً، وأن أفق المستقبل مرهون بقدرة شعوبها على تحويل المحن إلى فرص، والصراعات إلى مشاريع بقاء وتنمية.