المركز الأفريقي للاستشارات African Center for Consultancy

ملفات

الوجه الآخر لمقديشو... عاصمة الصومال في مواجهة الصور النمطية

05/06/2023
الوجه الآخر لمقديشو... عاصمة الصومال في مواجهة الصور النمطية

وكالات - المركز الأفريقي للاستشارات

 

بعدما دمرت الحرب الأهلية 90% من مساحة مقديشو، نهضت عاصمة الصومال بعد عودة المغتربين من ذوي رؤوس الأموال والخبرات، وعملهم في إعادة الإعمار وتغيير واقع المدينة، بينما لا تزال في مواجهة مع الصور النمطية السلبية.
- يعمل الأديب الصومالي فارح بنين بوص، مدير شركة صوم برس Sompress للترجمة والطباعة، على تغيير الصورة النمطية عن بلاده التي عاشت حرباً أهلية على مدى عقدين (من عام 1990 وحتى 2009)، عبر نشر صور التطور العمراني في مقديشو عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي.

ودمرت الحرب الأهلية 90 بالمائة من مساحة مقديشو الكلية التي تبلغ 91 كيلومتراً مربعاً، حسبما يقول الباحث الصومالي أنور أحمد ميو، مدير قسم البحث العلمي بالجامعة العربية الخاصة في العاصمة، الذي له مؤلفات عدة، منها كتاب "المدن الصومالية: النشأة والتاريخ والحضارة"، مضيفاً: "البنية التحتية ومؤسسات الدولة تعرضت للدمار في مقديشو التي كان يسكنها قبل الحرب 2 مليون و150 ألف نسمة، ما اضطر أغلبهم إلى النزوح".

"وفي عام 2007 فرّ نحو 700 ألف شخص من مقديشو، وفي العام التالي تبعهم 160 ألفاً خلال الفترة من يناير وحتى سبتمبر 2008"، وفق بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المنشورة في 26 سبتمبر 2008، بعنوان "الصومال: نزوح جماعي جديد من مقديشو، ولا يزال الآلاف يصلون إلى كينيا".
"اليوم يتغير كل شيء"، كما يقول الخمسيني عبد الفتاح أحمد آدم، الذي فرّ من مقديشو إلى كينيا في عام 1993 بعد سقوط قذيفة على منزله، أدت إلى مقتل ابنه الأكبر، ويضيف مشيراً بيديه إلى المباني والإنشاءات المحيطة: "منذ عودتي في عام 2015 لمست حركة التوسع العمراني وإصلاح البنية التحتية اللذين غيرا وجه المدينة".

و"مع استمرار الصومال في إعادة بناء مؤسسات الحوكمة الاقتصادية، فإن لديه العديد من الفرص للتوسع الحضري السريع، والاستخدام المتزايد للتقنيات الرقمية، والاستثمارات المخطط لها في الطاقة والموانئ والتعليم والصحة"، بحسب ما يؤكده البنك الدولي، الذي يشير إلى "تعافي نمو الناتج المحلي الإجمالي وبلوغه 2.9 بالمائة في عام 2021، بعد تقلصه في عام 2020 إلى 0.2 بالمائة"، موضحاً في بيانات منشورة على موقعه الإلكتروني أن "الناتج المحلي انخفض في عام 2022 إلى 1.7 بالمائة، ومن المتوقع أن يرتفع في عام 2024 إلى 3.7 بالمائة".

"وأخذ المد العمراني بالتطور في مقديشو بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أوردغان (زارها للمرة الأولى عندما كان رئيساً للوزراء) في أغسطس 2011، برفقة وفد مكون من وزراء ورجال أعمال"، حسبما يقول عبد الغني محمد عبدي، مدير قسم السياحة بوزارة الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة الفيدرالية، مضيفاً: "شركات تركية ساهمت في مشاريع إعادة الإعمار بالعاصمة".
و"في عام 2013 وقعت الحكومة الصومالية اتفاقية مع شركة Almnahdh التركية (متخصصة في مجال الإعمار) لبناء مطار مقديشو بتكلفة 10 ملايين دولار أميركي، فيما تولت الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (حكومية) في ذات العام، تعبيد طرق بطول 40 كيلومتراً في العاصمة، ونصب 800 عمود إنارة في شوارعها"، كما يقول المهندس سعيد آدم سعيد، مستشار البنية التحتية بوزارة الأشغال العامة وإعادة الإعمار والإسكان بالحكومة الفيدرالية، مضيفاً: "تركيا بنت 4 مدارس، وبنت جامعة زمزم للعلوم والتكنولوجيا".

كما "موّل صندوق قطر للتنمية مشروع طريق جوهر وطريق أفجوي اللذين يربطان مقديشو ببقية الأقاليم الأخرى، بتكلفة 72 مليوناً و350 ألف دولار" كما يضيف المهندس سعيد.
و"في بداية 2014، تم بناء مستشفى أردوغان الذي افتُتِح في عام 2015، من قبل الوكالة التركية للتعاون والتنسيق، بتكلفة 135 مليون دولار، ويحتوي على 241 سريراً، ويقدم خدمات طبية متنوعة لسكان مقديشو والمناطق المحيطة بها"، حسب ما يوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة مقديشو الخاصة، عبد الله أبو بكر عبدلي، قائلاً: "بنيت مستشفيات أخرى، هي المستشفى الصومالي السوداني، والمستشفى المصري ومستشفى الجزيرة التخصصي الذي ساهمت في بنائه مملكة البحرين".
ولكن، بعد هذه الطفرة العمرانية في العاصمة، لماذا لم تتغير الصورة النمطية عن الصومال؟ يجيب الأديب بوص، قائلاً: "يعود الأمر إلى عوامل عدة، من أبرزها الفوضى العارمة التي اشتهرت بها مقديشو والصومال عموماً على مدى عقدين من الزمن، فضلاً عن تشهير ومبالغات بعض الإعلاميين في وصف مقديشو بأنها مدينة الموت والخوف والخراب والدمار"، ويضيف: "في الوقت الذي كانت مقديشو تحترق، كان معظم دول العالم العربي ينعم باستقرار وأمن تام، ما جعل الإعلام يركز عليها وحدها، وعندما بدأت مقديشو تتعافى وتحاول النهوض من جديد، اشتعلت عواصم أخرى في العالم العربي مثل صنعاء وطرابلس والخرطوم ودمشق، ما صرف النظر نحو تلك المدن المحترقة".
و"ما نراه من قبل وسائل الإعلام من ترويج للصورة النمطية السلبية، يُعَدّ تضليلاً وبعيداً عن الموضوعية والحقائق الثابتة على أرض الواقع"، كما يقول الدكتور عبد الفتاح نور أشكر، وزير الدولة لشؤون الإعلام في ولاية بونتلاند، مضيفاً أن المتابع للشأن الصومالي، يلمس تغييرات جارية بقوة في البناء والتعمير.

ويتابع أشكر: "نحتاج إلى وضع استراتيجية إعلامية وطنية تواكب التطورات الحاصلة في البلاد وتغير الصورة النمطية عنها".